فصل: الفائدة الخامسة: الأم رحيمة وليست رحمانة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويحكى أن ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم أحمر، والغراب يفر منه ولا يقوم بتربيته، ثم أن البعوض يجتمع عليه لأنه يشبه قطعة لحم ميت، فإذا وصلت البعوض إليه التقم تلك البعوض واغتذى بها، ولا يزال على هذه الحال إلى أن يقوى وينبت ريشه ويخفى لحمه تحت ريشه، فعند ذلك تعود أمه إليه، ولهذا السبب جاء في أدعية العرب: يا رازق النعاب في عشه، فظهر بهذه الأمثلة أن فضل الله عام، وإحسانه شامل، ورحمته واسعة.
واعلم أن الحوادث على قسمين: منه ما يظن أنه رحمة مع أنه لا يكون كذلك، بل يكون في الحقيقة عذابًا ونقمة، ومنه ما يظن في الظاهر أنه عذاب ونقمة، مع أنه يكون في الحقيقة فضلًا وإحسانًا ورحمة: أما القسم الأول: فالوالد إذا أهمل ولده حتى يفعل ما يشاء ولا يؤدبه ولا يحمله على التعلم، فهذا في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة.
وأما القسم الثاني: كالوالد إذا حبس ولده في المكتب وحمله على التعلم فهذا في الظاهر نقمة، وفي الحقيقة رحمة، وكذلك الإنسان إذا وقع في يده الآكلة فإذا قطعت تلك اليد فهذا في الظاهر عذاب، وفي الباطن راحة ورحمة، فالأبله يغتر بالظواهر، والعاقل ينظر في السرائر.
إذا عرفت هذا فكل ما في العالم من محنة وبلية وألم ومشقة فهو وإن كان عذابًا وألمًا في الظاهر إلا أنه حكمة ورحمة في الحقيقة، وتحقيقه ما قيل في الحكمة: إن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير، فالمقصود من التكاليف تطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية كما قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأِنفُسِكُمْ} [الإسراء: 7] والمقصود من خلق النار صرف الأشرار إلى أعمال الأبرار، وجذبها من دار الفرار إلى دار القرار، كما قال تعالى: {فَفِرُّواْ إِلَى الله} [الذاريات: 50] وأقرب مثال لهذا الباب قصة موسى والخضر عليهما السلام، فإن موسى كان يبني الحكم على ظواهر الأمور فاستنكر تخريق السفينة وقتل الغلام وعمارة الجدار المائل، وأما الخضر فإنه كان يبني أحكامه على الحقائق والأسرار فقال: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ في البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِك يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مّنْهُ زكواة وَأَقْرَبَ رُحْمًا وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين يَتِيمَيْنِ في المدينة وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: 79 82] فظهر بهذه القصة أن الحكيم المحقق هو الذي يبني أمره على الحقائق لا على الظاهر، فإذا رأيت ما يكرهه طبعك وينفر عنه عقلك فاعلم أن تحته أسرارًا خفية وحكمًا بالغة، وأن حكمته ورحمته اقتضت ذلك، وعند ذلك يظهر لك أثر من بحار أسرار قوله {الرحمن الرحيم}.

.الفائدة الثانية: الرحمن: اسم خاص بالله، والرحيم: ينطلق عليه وعلى غيره:

الرحمن: اسم خاص بالله، والرحيم: ينطلق عليه وعلى غيره.
فإن قيل: فعلى هذا: الرحمن أعظم: فلم ذكر الأدنى بعد ذكر الأعلى؟
والجواب: لأن الكبير العظيم لا يطلب منه الشيء الحقير اليسير، حكي أن بعضهم ذهب إلى بعض الأكابر فقال: جئتك لمهم يسير فقال: اطلب للمهم اليسير رجلًا يسيرًا، كأنه تعالى يقول: لو اقتصرت على ذكر الرحمن لاحتشمت عني ولتعذر عليك سؤال الأمور اليسيرة، ولكن كما علمتني رحمانًا تطلب مني الأمور العظيمة، فأنا أيضًا رحيم؛ فاطلب مني شراك نعلك وملح قدرك، كما قال تعالى لموسى: «يا موسى سلني عن ملح قدرك وعلف شاتك».

.الفائدة الثالثة: رحمة الله سبب النجاة:

وصف نفسه بكونه رحمانًا رحيمًا، ثم إنه أعطى مريم عليها السلام رحمة واحدة حيث قال: {وَرَحْمَةً مّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} [مريم: 21] فتلك الرحمة صارت سببًا لنجاتها من توبيخ الكفار الفجّار، ثم أنا نصفه كل يوم أربعة وثلاثين مرة أنه رحمن وأنه رحيم، وذلك لأن الصلوات سبع عشرة ركعة، ويقرأ لفظ الرحمن الرحيم في كل ركعة مرتين مرة في {بسم الله الرحمن الرحيم} ومرة في قوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1، 2] فلما صار ذكر الرحمة مرة واحدة سببًا لخلاص مريم عليها السلام عن المكروهات أفلا يصير ذكر الرحمة هذه المرات الكثيرة طول العمر سببًا لنجاة المسلمين من النار والعار والدمار؟.

.الفائدة الرابعة: معنى الرحمن الرحيم:

أنه تعالى رحمن لأنه يخلق ما لا يقدر العبد عليه، رحيم لأنه يفعل ما لا يقدر العبد على جنسه، فكأنه تعالى يقول: أنا رحمن لأنك تسلم إلى نطفة مذرة فأسلمها إليك صورة حسنة، كما قال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64] وأنا رحيم لأنك تسلم إلى طاعة ناقصة فأسلم إليك جنة خالصة.

.الفائدة الخامسة: الأم رحيمة وليست رحمانة:

روي أن فتى قربت وفاته واعتقل لسانه عن شهادة أن لا إله إلا الله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه به، فقام ودخل عليه، وجعل يعرض عليه الشهادة وهو يتحرك ويضطرب ولا يعمل لسانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما كان يصلي؟ أما كان يصوم؟ أما كان يزكي؟». فقالوا: بلى، فقال: «هل عق والديه؟» فقالوا: بلى، فقال عليه السلام: «هاتوا بأمه»، فجاءت وهي عجوز عوراء فقال عليه السلام: «هلا عفوت عنه»، فقالت: لا أعفو لأنه لطمني ففقأ عيني، فقال عليه السلام: «هاتوا بالحطب والنار»، فقالت: وما تصنع بالنار؟ فقال عليه السلام: «أحرقه بالنار بين يديك جزاء لما عمل بك»، فقالت: عفوت عفوت، أللنار حملته تسعة أشهر؟ أللنار أرضعته سنتين؟ فأين رحمة الأم؟ فعند ذلك انطلق لسانه، وذكر أشهد أن لا إله إلا الله، والنكتة أنها كانت رحيمة وما كانت رحمانة فلأجل ذلك القدر القليل من الرحمة ما جوزت الإحراق بالنار، فالرحمن الرحيم الذي لم يتضرر بجنايات عبيده مع عنايته بعباده كيف يستجيز أن يحرق المؤمن الذي واظب على شهادة أن لا إله إلا الله سبعين سنة بالنار.

.الفائدة السادسة: النبي رحمة للعالمين:

لقد اشتهر أن النبي عليه السلام لما كسرت رباعيته قال: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»، فظهر أنه يوم القيامة يقول: «أمتي، أمتي»، فهذا كرم عظيم منه في الدنيا وفي الآخرة، وإنما حصل فيه هذا الكرم وهذا الإحسان لكونه رحمة كما قال تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين}.
فإذا كان أثر الرحمة الواحدة بلغ هذا المبلغ فكيف كرم من هو رحمن رحيم؟ وأيضًا روي أنه عليه السلام قال: «اللهم اجعل حساب أمتي على يدي»، ثم إنه امتنع عن الصلاة على الميت لأجل أنه كان مديونًا بدرهمين، وأخرج عائشة عن البيت بسبب الإفك فكأنه تعالى قال له إن لك رحمة واحدة وهي قوله: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] والرحمة الواحدة لا تكفي في إصلاح عالم المخلوقات، فذرني وعبيدي واتركني وأمتك فإني أنا الرحمن الرحيم، فرحمتي لا نهاية لها، ومعصيتهم متناهية، والمتناهي في جنب غير المتناهي يصير فانيًا، فلا جرم معاصي جميع الخلق تفنى في بحار رحمتي، لأني أنا الرحمن الرحيم.

.الفائدة السابعة: مذهب القدرية في تفسير قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}:

قالت القدرية: كيف يكون رحمانًا رحيمًا من خلق الخلق للنار ولعذاب الأبد؟ وكيف يكون رحمانًا رحيمًا من يخلق الكفر في الكافر ويعذبه عليه؟ وكيف يكون رحمانًا رحيمًا من أمر بالإيمان ثم صد ومنع عنه؟ وقالت الجبرية: أعظم أنواع النعمة والرحمة هو الإيمان فلو لم يكن الإيمان من الله بل كان من العبد لكان اسم الرحمن الرحيم بالعبد أولى منه بالله، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الرحمن الرحيم} وصف نفسه تعالى بعد: {رَبِّ العالمين} بأنه: {الرحمن الرحيم} لأنه لما كان في اتصافه ب: {رَبِّ العالمين}.
ترهيب قَرَنه ب: {الرحمن الرحيم} لما تضمن من الترغيب؛ ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه؛ فيكون أعون على طاعته وأمنع؛ كما قال: {نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم} [الحجر: 49 50].
وقال: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول} [غافر: 3].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمِع بجنّته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنَطَ من جنّته أحد». وقد تقدّم ما في هذين الاسمين من المعاني، فلا معنى لإعادته. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}:
قال ابن عرفة: قدم أولا الوصف برَبّ العَالمِينَ تنبيها على أصل النشأة، وأنه هو الخالق المبدئ، ثم ثنى بحال الإنسان في الدّنيا من النعم والإحسان، فلولا رحمة الله تعالى لما كان ذلك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{الرحمن الرحيم} صفتان لله، فإن أريد بما فيهما من الرحمة ما يختص بالعقلاء من العالمين أو ما يَفيضُ على الكل بعد الخروج إلى طوْر الوجودِ من النعم، فوجهُ تأخيرِهما عن وصف الربوبية ظاهر، وإن أريد ما يعمّ الكلَّ في الأطوار كلِّها حسبما في قوله تعالى: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَئ} فوجهُ الترتيب أن التربية لا تقتضي المقارنة للرحمة، فإيرادُهما في عقبها للإيذان بأنه تعالى متفضل فيها، فاعل بقضية رحمتِه السابقةِ من غير وجوبٍ عليه، وبأنها واقعة على أحسنِ ما يكون، والاقتصارُ على نعته تعالى بهما في التسمية لما أنه الأنسبُ بحال المتبرِّك المستعين باسمه الجليل، والأوفقُ لمقاصده. اهـ.

.قال الألوسي:

{الرحمن الرحيم} وقد تقدم الكلام عليهما والجمهور على خفضهما، ونصبهما زيد وأبو العالية وابن السميقع وعيسى بن عمور، ورفعهما أبو رزين العقيلي والربيع بن خثيم وأبو عمران الجولي واستدل بعض ساداتنا بتكرارهما على أن البسملة ليست آية من الفاتحة وليس بالقوي لأن التكرار لفائدة، فذكرهما في البسملة تعليل للابتداء باسمه عز شأنه، وذكرهما هنا تعليل لاستحقاقه تعالى الحمد، وقال الإمام الرازي قدس سره في بيان حكمة التكرار التقدير كأنه قيل له اذكر أني إله ورب مرة واحد واذكر أني رحمن رحيم مرتين لتعلم أن العناية بالرحمة أكثر منها بسائر الأمور ثم لما بين الرحمة المضاعفة فكأنه قال لا تغتروا بذلك فإني {مالك يوم الدين} ونظيره قوله تعالى: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب} [غافر: 3] انتهى، وفي القلب منه شيء فإن الألوهية مكررة أيضًا كما ترى وعندي بمسلك صوفي أن ذكر الرحمن الرحيم تفصيل من وجه لما في رب العالمين من الإجمال وذلك أن التربية تنقسم ببعض الاعتبارات إلى قسمين، أحدهما التربية بغير واسطة كالكلمة لأنه لا يتصور في حقه واسطة ألبتة، وثانيهما التربية بواسطة كما فيمن دون الكلمة وهذا الثاني له قسمان أيضًا، قسم ممزوج بألم كما في تربية العبد بأمور مؤلمة له شاقة عليه، وقسم لا مزج فيه كما في تربية كثير ممن شمله اللطف السبحاني:
غافل والسعادة احتضنته ** وهو عنها مستوحش نفار

فالرحمن يشير إلى التربية بالوسائط وغيرها في عالمه والرحيم يشير إلى التربية بلا واسطة في كلماته ورحمة الرحمن أيضًا قد تمزج بالألم كشرب الدواء الكره الطعم والرائحة فإنه وإن كان رحمة بالمريض لكن فيه ما لا يلائم طبعه ورحمة الرحيم لا يمازجها شوب فهي محض النعم ولا توجد إلا عند أهل السعادات الكاملة. اللهم اجعلنا سعداء الدارين بحرمة سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال صاحب المنار:

{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي إِعَادَتِهِمَا، وَالنُّكْتَةُ فِيهَا ظَاهِرَة وَهِيَ أَنَّ تَرْبِيَتَهُ تَعَالَى لِلْعَالَمِينَ لَيْسَتْ لِحَاجَةٍ بِهِ إِلَيْهِمْ كَجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ لِعُمُومِ رَحْمَتِهِ وَشُمُولِ إِحْسَانِهِ. وَثَمَّ نُكْتَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْبَعْضَ يَفْهَمُ مِنْ مَعْنَى الرَّبِّ: الْجَبَرُوتَ وَالْقَهْرَ، فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ لِيَجْتَمِعُوا بَيْنَ اعْتِقَادِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، فَذَكَرَ الرَّحْمَنَ وَهُوَ الْمُفِيضُ لِلنِّعَمِ بِسَعَةٍ وَتَجَدُّدٍ لَا مُنْتَهَى لَهُمَا، وَالرَّحِيمُ الثَّابِتُ لَهُ وَصْفُ الرَّحْمَةِ لَا يُزَايِلُهُ أَبَدًا. فَكَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَتَحَبَّبَ إِلَى عِبَادِهِ، فَعَرَّفَهُمْ أَنَّ رُبُوبِيَّتَهُ رُبُوبِيَّةُ رَحْمَةٍ وَإِحْسَانٍ لِيَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الَّتِي رُبَّمَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا مَعْنَى الصِّفَاتِ، وَلِيَتَعَلَّقُوا بِهِ وَيُقْبِلُوا عَلَى اكْتِسَابِ مَرْضَاتِهِ، مُنْشَرِحَةً صُدُورُهُمْ، مُطْمَئِنَّةً قُلُوبُهُمْ، وَلَا يُنَافِي عُمُومُ الرَّحْمَةِ وَسَبْقُهَا مَا شَرَعَهُ اللهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا أَعَدَّهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ لِلَّذِينِ يَتَعَدَّوْنَ الْحُدُودَ، وَيَنْتَهِكُونَ الْحُرُمَاتِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ سُمِّيَ قَهْرًا بِالنِّسْبَةِ لِصُورَتِهِ وَمَظْهَرِهِ فَهُوَ فِي حَقِيقَتِهِ وَغَايَتِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْبِيَةً لِلنَّاسِ وَزَجْرًا لَهُمْ عَنِ الْوُقُوعِ فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَفِي الِانْحِرَافِ عَنْهَا شَقَاؤُهُمْ وَبَلَاؤُهُمْ، وَفِي الْوُقُوفِ عِنْدَهَا سَعَادَتُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ، وَالْوَالِدُ الرَّءُوفُ يُرَبِّي وَلَدَهُ بِالتَّرْغِيبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَالْإِحْسَانِ عَلَيْهِ إِذَا قَامَ بِهِ، وَرُبَّمَا لَجَأَ إِلَى التَّرْهِيبِ وَالْعُقُوبَةِ إِذَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ الْحَالُ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.